الفنان عز الدين شموط من مواليد دمشق1940، تخرج في كلية الفنون الجميلة عام 1964، ثم تابع دراسته في فرنسا حيث حصل على دكتوراه الدولة في الفنون التشكيلية، وعمل مدرسا في دمشق كما عمل في كلية الفنون الجميلة (البوزار) بباريس.
أصدر العديد من الكتب والدراسات حول الفن التشكيلي، وأقام العديد من المعارض في فرنسا ولبنان وسوريا، وأعماله مقتناة من قبل المتحف الوطني السوري ومتحف الفن الحديث بباريس، والمكتبة الوطنية الفرنسية فضلا عن محافظة باريس.
بمناسبة معرضه الأخير في صالة نصير شورى في قلب العاصمة السورية حاورناه حول تجربته الفنية الثرية والمتنوعة.
*هل يمكن أن تحدثنا عن المراحل التي مرت بها تجربتك الفنية؟
عمليا لا توجد مراحل مفصولة تماما، هناك تجارب مشتقة من بعضها البعض، ما بين ( 1960 – 1970 ) كانت تجربتي تهدف إلى التعرف على صنعة الفن، والربط ما بين اليد والرؤية والفكر، بمعنى ربط التغير بالشكل واللون مع الخلفية وما تشير إليه من رموز وفكر وفلسفة. وكنت أعتمد حينئذ في بناء اللوحة على أسس تكعيبية وسيريالية.
وفي الفترة الثانية من ( 70- 1980) عملت على تعميق الربط بين الفن والفكر، وعلى الصعيد العملي اصطدمت بعدم القدرة على تجسيد كل ما أفكر وأحلم بتنفيذه نتيجة ضعف التقنيات المستعملة.
ومنذ عام 1980 تقريبا بدأت تظهر تكنولوجيا حديثة دخلت عالم الصورة واستطاعت إعطاء جماليات جديدة. وقد حاولت الاستفادة منها لتقديم لوحة مختلفة يدخل فيها عامل الحفر مع التكنولوجيا الحديثة.
*المعاصرة في رأيك، هل هي دخول العصر بتقنياته المختلفة أم هي في مضمون اللوحة وفي الموضوع؟
التكنولوجيا الحديثة ليس لها أعداء ولا تتناقض مع التراث ولا المحلية، ولا تتعارض مع اللون والإبداع الذاتي للفنان. كما أن المعاصرة لا تعني استخدام التكنولوجيا في العمل الفني فقط، بل يجب أن تلاحق كافة أبعاد العملية الإبداعية .. البعد التكنولوجي والمادي، البعد الفكري والفلسفي، فضلا عن تغير الظرف والعادات في التصوير. فانتقالي اليوم أصبح أسهل بفضل التكنولوجيا من انتقال فنان في القرن السابع عشر، ففي لوحتي تجد الربط ما بين أساليب وعادات موجودة في القرن الثالث عشر بأساليب وعادات عند الإنسان في العصر الوسيط مع عادات وتقاليد موجودة عند الإنسان المعاصر أي أن الرؤية عندي والفكر أصبحا أكثر ديناميكية وحيوية، في حين أن تقوقعي على ذاتي يعوق الكثير من حركتي.
*يلاحظ اهتمامك بفن "الغرافيك" فما هي الأسباب وما هذا الفن؟
نعلم أن الحفر والرسم ولدا على يد إنسان الكهف، وتنبع أهمية فن الحفر والطباعة من كونه مركبا وقابلا للتكرار، فهو يدخل في مجال النشر والتوزيع ولهذا يمكن القول بأنه أداة اتصال ونقل وحوار، في الوقت الذي تعاني فيه اللوحة الزيتية من عزلتها بكونها عمل وحيد "أرستقراطي" فإن عمل الحفر المطبوع متعدد، فمن حبة قمح نزرعها نحصل على سنبلة فيها عشرات الحبات، فهو إذن فن شعبي وجماهيري نجده في كل مكان، وبما أننا نعيش عصر التخاطب بالصور؛ فإن فن الحفر والطباعة الأكثر ملاءمة مع معطيات العصر العلمية والتكنولوجية والخدمات الاجتماعية (كطباعة أوراق العملة والإعلان وطباعة الأقمشة ..إلخ) والحاجة التعبيرية والجمالية.
ونظراً لتعدد طرق الحفر والطباعة فإن الفنان يجد فيه متسعا لتحقيق صور خياله الجامح، ليعطي جماليات غير مطروحة في التصوير الزيتي. وأشير إلى أن مزج الحفر والطباعة مع فن اللوحة الزيتية يعطي نتائج ساحرة.
*يلاحظ عودتك إلى تصوير الحارات الشعبية واستخدامك الرموز التراثية, فهل هذا عائد إلى الغربة وتأثيراتها أم ماذا؟
هذا السؤال جميل جداً، فقد اكتشفت أنني من الشرق عندما ذهبت إلى الغرب. واكتشفت المخزون البصري المتراكم منذ صغري، ولباس الفلاحين والألوان الزاهية، وخالتي التي كانت تشتغل بالسجاد وتطرز الملابس، ولا إرادياً استدعيت أشكالي وألواني من الذاكرة.
وقد عملت كتابا عن الأطفال في فرنسا أسميته (عنترة) لاقى نجاحاً كبيراً وكانت كل رسومه مستوحاة من الرسوم الشعبية والخط العربي، وقد ساعد رواجه على التأكيد على إمكانية إعادة صياغة المخزون البصري بروح عصرية.
*في مراحلك الأولى لجأت إلى التكعيبية والسيريالية والآن أراك تعود إلى الواقعية الحالمة؟
هذا صحيح لوحتي الآن عبارة عن مونتاج، فيها الحارة الشعبية ولكن ليس بالشكل الواقعي، ورغم أن كل جزء منها واقعي فإن طريقة إخراجها والضبابية التي تكتنفها تجعلها أقرب إلى حلم اليقظة، وبصورة عامة لا يوجد لوحة بدون حلم أو بدون وهم، فالخيال جزء مهم من الصورة، بمعنى لا يوجد لوحة واقعية تماما، وإنما واقعية فيها الوهم والخيال.
*يلاحظ عدم وجود فراغات في اللوحة، حتى الزوايا لا تتركها دون عمل وألوان في حين أن اللوحة الحديثة تعتمد الفراغ، فهل هذا نتيجة التأثر بالزخرف العربي – الإسلامي ؟
هو طبعا تأثر مقصود، أي أصبح عضوياً في عقلية التشكيل عندي، فأنا مسؤول عن كل جزء في اللوحة، وبالنسبة لمفهوم الفراغ فأنا أعتبره مظهر نقص وغياب وعضو مبتور وجرح في جسم اللوحة، إن "الكادر" في اللوحة الأوربية يركز غالبا على الوسط مع إهمال للأطراف، لهذا وضع الفنان الأوروبي البؤرة الضوئية في قمة التكوين الهرمي، فالرؤية تتمركز هناك وتهمل الأطراف، لكنني أستعمل التكوين الرباعي في رسوم المنمنمات والزخارف الشرقية، وهو يتوافق مع شعوري بالمكان، فالإنسان الذي ينظر إلى الأشياء أمامه يوزع مكانها اعتبارا من مركزه وحسب يمينه ويساره؛ فتصبح اللوحة كالمشهد والنافذة لها خط وخط علوي ويسار ويمين تحصر بينها سطحا مملوءا بالعناصر، حيث لكل عنصر دوره، فاللوحة كالجسد الواحد المكتمل لا يجوز إهمال أي جزء فيه مهما ابتعد عن المركز.
*ما المقصود بعودتك إلى اللوحات الاستشراقية وإعادة صياغتها من جديد؟
عملي عبارة عن إعادة صياغة _ كما أشرت في سؤالك – أي استعارة وليس مجرد نقل، أي أنني آخذ بعض الموتيفات (الموضوعات) وأصيغها بشكل معاصر جدا كأن أعطي للسجاد ألوانه وحساسيته الحقيقية من خلال استخدام التكنولوجيا أو إدخال عنصر الحركة على اللوحة، بمعنى أنني آخذ لوحة استشراقية وأتعامل معها كمجموعة عناصر، وأعيد إخراجها بصورة جديدة وغير مألوفة سابقا.
*هل نستطيع القول بأنك تنتمي إلى مدرسة فنية معينة؟
مفهوم المدارس سقط اليوم، نحن الآن نتكلم عن مجموعة أساليب بيكاسو, ودالي وماتيس… إلخ.
فحدود المدارس التقليدية وأساليب التقنيات القديمة المتوارثة المنفصلة الواحدة عن الأخرى ( رسم، وتصوير، وحفر، وفوتوغراف، ونحت، وإعلان ..) قد تحطمت فلم يعد هناك أي عائق يقف أمام عملية التعبير والإبداع الحر والطليق، وهذا ليس بالجديد تماماً فالتماثيل الإفريقية وأقنعة الهنود الحمر متعددة الأساليب والألوان، وطريقة الحفر اليابانية (كامايو) يتم التحبير فيها على طريقة التلوين المائي، والرسوم المتتابعة والسينما والمسرح عبارة عن فنون مركبة، وأنا أقوم اليوم بمزاوجة اللوحة الزيتية والحفر، وهذا يعني أن هدف اللوحة تحقيق وتجسيد صور الخيال المختلفة بإطار جمالي منظور، وعليه فإن كل الوسائل والطرق تصبح مشروعة، إن التزمت وضيق الأفق والفقر التكنولوجي أدى إلى عزلة وتخلف اللوحة الزيتية، فالكثير من الفنانين يكررون أنفسهم منذ عشرات السنين، لقد أصبح ذوق الإنسان المعاصر بحاجة إلى عوالم جمالية جديدة.
*تستخدم الكولاج بطريقة حديثة جدا وغير معروفة، مع الإشارة إلى أن لوحة الكولاج لا يعتبرها البعض لوحة أصلية مثل اللوحة الزيتية؟
منذ القديم يوجد في اللوحة (كولاج) أي جمع ولصق، في رسوم مصر القديمة كان يلصق رأس طائر أو ثعلب إلى جسم الإنسان، وكذلك حال الحصان المجنح في رسوم المنمنمات الشرقية. ويمكن اعتبار الجوكندة صورة شخصية ملصقة على خلفية مؤلمة من منظر طبيعي يحوي عوالم خيالية، إن مشاهداتنا اليومية هي عبارة عن جمع لموضوع وخلفية، فلن يكون هناك مشهد ولا لوحة إذا لم تجمع وتضم عناصر مختلفة إلى بعضها البعض، إن الجمع والضم والربط مبدأ عام في الرؤية والفهم، نجده في فنون مختلفة كالسينما والمسرح والموسيقى وحتى في الأدب.
بالنسبة لي فأنا لا أستخدم اللصق فاللوحة عندي نسيج واحد رغم الإحساس بتنوع المواد كالسجاد والخشب والزجاج.
*على ضوء كتابك (قيمة الفن التشكيلي بين المال والجمال) هل يمكن مقارنة تجارة الفن الأوروبية بصالات العرض الخاصة عندنا؟
الكتاب رد على المضاربات المالية وارتفاع أسعار بعض اللوحات مثل لوحات فان جوخ الذي مات من الجوع ولم يبع في حياته سوى لوحة أو لوحتين، ومات منتحراً احتجاجاً. المضاربات التي تتم شوهت الفن، خاصة أن نتائجها انعكست على جودة العمل الفني، فتجار الفن أصبحوا يبيعون أي شيء على أنه عمل فني حتى ولو كان سلة قمامة، وهذا فيه إسفاف كبير. وهنا أريد أن أوضح لبعض اللذين خلطوا بين دراستي لتجارة الفن الأوروبية وبين نشاط صالات العرض الخاصة عندنا، فأنا لست ضد تجارة الفن فهناك تجارة طبيعية، ولا يجب أن نخلط بين ما يتم في أوروبا وما يتم عندنا، في سوريا مثلاً بدايات لظهور تجارة فن طبيعية لم تشوه بعد، ولها إيجابياتها، وأهم هذه الإيجابيات أنها أخرجت الحركة التشكيلية من قوقعتها وجمودها، كما برز مع ظهور الصالات الخاصة ظاهرة الفنان المحترف. فللمرة الأولى نجد فنانين يعيشون على بيع لوحاتهم فقط.
أصدر العديد من الكتب والدراسات حول الفن التشكيلي، وأقام العديد من المعارض في فرنسا ولبنان وسوريا، وأعماله مقتناة من قبل المتحف الوطني السوري ومتحف الفن الحديث بباريس، والمكتبة الوطنية الفرنسية فضلا عن محافظة باريس.
بمناسبة معرضه الأخير في صالة نصير شورى في قلب العاصمة السورية حاورناه حول تجربته الفنية الثرية والمتنوعة.
*هل يمكن أن تحدثنا عن المراحل التي مرت بها تجربتك الفنية؟
عمليا لا توجد مراحل مفصولة تماما، هناك تجارب مشتقة من بعضها البعض، ما بين ( 1960 – 1970 ) كانت تجربتي تهدف إلى التعرف على صنعة الفن، والربط ما بين اليد والرؤية والفكر، بمعنى ربط التغير بالشكل واللون مع الخلفية وما تشير إليه من رموز وفكر وفلسفة. وكنت أعتمد حينئذ في بناء اللوحة على أسس تكعيبية وسيريالية.
وفي الفترة الثانية من ( 70- 1980) عملت على تعميق الربط بين الفن والفكر، وعلى الصعيد العملي اصطدمت بعدم القدرة على تجسيد كل ما أفكر وأحلم بتنفيذه نتيجة ضعف التقنيات المستعملة.
ومنذ عام 1980 تقريبا بدأت تظهر تكنولوجيا حديثة دخلت عالم الصورة واستطاعت إعطاء جماليات جديدة. وقد حاولت الاستفادة منها لتقديم لوحة مختلفة يدخل فيها عامل الحفر مع التكنولوجيا الحديثة.
*المعاصرة في رأيك، هل هي دخول العصر بتقنياته المختلفة أم هي في مضمون اللوحة وفي الموضوع؟
التكنولوجيا الحديثة ليس لها أعداء ولا تتناقض مع التراث ولا المحلية، ولا تتعارض مع اللون والإبداع الذاتي للفنان. كما أن المعاصرة لا تعني استخدام التكنولوجيا في العمل الفني فقط، بل يجب أن تلاحق كافة أبعاد العملية الإبداعية .. البعد التكنولوجي والمادي، البعد الفكري والفلسفي، فضلا عن تغير الظرف والعادات في التصوير. فانتقالي اليوم أصبح أسهل بفضل التكنولوجيا من انتقال فنان في القرن السابع عشر، ففي لوحتي تجد الربط ما بين أساليب وعادات موجودة في القرن الثالث عشر بأساليب وعادات عند الإنسان في العصر الوسيط مع عادات وتقاليد موجودة عند الإنسان المعاصر أي أن الرؤية عندي والفكر أصبحا أكثر ديناميكية وحيوية، في حين أن تقوقعي على ذاتي يعوق الكثير من حركتي.
*يلاحظ اهتمامك بفن "الغرافيك" فما هي الأسباب وما هذا الفن؟
نعلم أن الحفر والرسم ولدا على يد إنسان الكهف، وتنبع أهمية فن الحفر والطباعة من كونه مركبا وقابلا للتكرار، فهو يدخل في مجال النشر والتوزيع ولهذا يمكن القول بأنه أداة اتصال ونقل وحوار، في الوقت الذي تعاني فيه اللوحة الزيتية من عزلتها بكونها عمل وحيد "أرستقراطي" فإن عمل الحفر المطبوع متعدد، فمن حبة قمح نزرعها نحصل على سنبلة فيها عشرات الحبات، فهو إذن فن شعبي وجماهيري نجده في كل مكان، وبما أننا نعيش عصر التخاطب بالصور؛ فإن فن الحفر والطباعة الأكثر ملاءمة مع معطيات العصر العلمية والتكنولوجية والخدمات الاجتماعية (كطباعة أوراق العملة والإعلان وطباعة الأقمشة ..إلخ) والحاجة التعبيرية والجمالية.
ونظراً لتعدد طرق الحفر والطباعة فإن الفنان يجد فيه متسعا لتحقيق صور خياله الجامح، ليعطي جماليات غير مطروحة في التصوير الزيتي. وأشير إلى أن مزج الحفر والطباعة مع فن اللوحة الزيتية يعطي نتائج ساحرة.
*يلاحظ عودتك إلى تصوير الحارات الشعبية واستخدامك الرموز التراثية, فهل هذا عائد إلى الغربة وتأثيراتها أم ماذا؟
هذا السؤال جميل جداً، فقد اكتشفت أنني من الشرق عندما ذهبت إلى الغرب. واكتشفت المخزون البصري المتراكم منذ صغري، ولباس الفلاحين والألوان الزاهية، وخالتي التي كانت تشتغل بالسجاد وتطرز الملابس، ولا إرادياً استدعيت أشكالي وألواني من الذاكرة.
وقد عملت كتابا عن الأطفال في فرنسا أسميته (عنترة) لاقى نجاحاً كبيراً وكانت كل رسومه مستوحاة من الرسوم الشعبية والخط العربي، وقد ساعد رواجه على التأكيد على إمكانية إعادة صياغة المخزون البصري بروح عصرية.
*في مراحلك الأولى لجأت إلى التكعيبية والسيريالية والآن أراك تعود إلى الواقعية الحالمة؟
هذا صحيح لوحتي الآن عبارة عن مونتاج، فيها الحارة الشعبية ولكن ليس بالشكل الواقعي، ورغم أن كل جزء منها واقعي فإن طريقة إخراجها والضبابية التي تكتنفها تجعلها أقرب إلى حلم اليقظة، وبصورة عامة لا يوجد لوحة بدون حلم أو بدون وهم، فالخيال جزء مهم من الصورة، بمعنى لا يوجد لوحة واقعية تماما، وإنما واقعية فيها الوهم والخيال.
*يلاحظ عدم وجود فراغات في اللوحة، حتى الزوايا لا تتركها دون عمل وألوان في حين أن اللوحة الحديثة تعتمد الفراغ، فهل هذا نتيجة التأثر بالزخرف العربي – الإسلامي ؟
هو طبعا تأثر مقصود، أي أصبح عضوياً في عقلية التشكيل عندي، فأنا مسؤول عن كل جزء في اللوحة، وبالنسبة لمفهوم الفراغ فأنا أعتبره مظهر نقص وغياب وعضو مبتور وجرح في جسم اللوحة، إن "الكادر" في اللوحة الأوربية يركز غالبا على الوسط مع إهمال للأطراف، لهذا وضع الفنان الأوروبي البؤرة الضوئية في قمة التكوين الهرمي، فالرؤية تتمركز هناك وتهمل الأطراف، لكنني أستعمل التكوين الرباعي في رسوم المنمنمات والزخارف الشرقية، وهو يتوافق مع شعوري بالمكان، فالإنسان الذي ينظر إلى الأشياء أمامه يوزع مكانها اعتبارا من مركزه وحسب يمينه ويساره؛ فتصبح اللوحة كالمشهد والنافذة لها خط وخط علوي ويسار ويمين تحصر بينها سطحا مملوءا بالعناصر، حيث لكل عنصر دوره، فاللوحة كالجسد الواحد المكتمل لا يجوز إهمال أي جزء فيه مهما ابتعد عن المركز.
*ما المقصود بعودتك إلى اللوحات الاستشراقية وإعادة صياغتها من جديد؟
عملي عبارة عن إعادة صياغة _ كما أشرت في سؤالك – أي استعارة وليس مجرد نقل، أي أنني آخذ بعض الموتيفات (الموضوعات) وأصيغها بشكل معاصر جدا كأن أعطي للسجاد ألوانه وحساسيته الحقيقية من خلال استخدام التكنولوجيا أو إدخال عنصر الحركة على اللوحة، بمعنى أنني آخذ لوحة استشراقية وأتعامل معها كمجموعة عناصر، وأعيد إخراجها بصورة جديدة وغير مألوفة سابقا.
*هل نستطيع القول بأنك تنتمي إلى مدرسة فنية معينة؟
مفهوم المدارس سقط اليوم، نحن الآن نتكلم عن مجموعة أساليب بيكاسو, ودالي وماتيس… إلخ.
فحدود المدارس التقليدية وأساليب التقنيات القديمة المتوارثة المنفصلة الواحدة عن الأخرى ( رسم، وتصوير، وحفر، وفوتوغراف، ونحت، وإعلان ..) قد تحطمت فلم يعد هناك أي عائق يقف أمام عملية التعبير والإبداع الحر والطليق، وهذا ليس بالجديد تماماً فالتماثيل الإفريقية وأقنعة الهنود الحمر متعددة الأساليب والألوان، وطريقة الحفر اليابانية (كامايو) يتم التحبير فيها على طريقة التلوين المائي، والرسوم المتتابعة والسينما والمسرح عبارة عن فنون مركبة، وأنا أقوم اليوم بمزاوجة اللوحة الزيتية والحفر، وهذا يعني أن هدف اللوحة تحقيق وتجسيد صور الخيال المختلفة بإطار جمالي منظور، وعليه فإن كل الوسائل والطرق تصبح مشروعة، إن التزمت وضيق الأفق والفقر التكنولوجي أدى إلى عزلة وتخلف اللوحة الزيتية، فالكثير من الفنانين يكررون أنفسهم منذ عشرات السنين، لقد أصبح ذوق الإنسان المعاصر بحاجة إلى عوالم جمالية جديدة.
*تستخدم الكولاج بطريقة حديثة جدا وغير معروفة، مع الإشارة إلى أن لوحة الكولاج لا يعتبرها البعض لوحة أصلية مثل اللوحة الزيتية؟
منذ القديم يوجد في اللوحة (كولاج) أي جمع ولصق، في رسوم مصر القديمة كان يلصق رأس طائر أو ثعلب إلى جسم الإنسان، وكذلك حال الحصان المجنح في رسوم المنمنمات الشرقية. ويمكن اعتبار الجوكندة صورة شخصية ملصقة على خلفية مؤلمة من منظر طبيعي يحوي عوالم خيالية، إن مشاهداتنا اليومية هي عبارة عن جمع لموضوع وخلفية، فلن يكون هناك مشهد ولا لوحة إذا لم تجمع وتضم عناصر مختلفة إلى بعضها البعض، إن الجمع والضم والربط مبدأ عام في الرؤية والفهم، نجده في فنون مختلفة كالسينما والمسرح والموسيقى وحتى في الأدب.
بالنسبة لي فأنا لا أستخدم اللصق فاللوحة عندي نسيج واحد رغم الإحساس بتنوع المواد كالسجاد والخشب والزجاج.
*على ضوء كتابك (قيمة الفن التشكيلي بين المال والجمال) هل يمكن مقارنة تجارة الفن الأوروبية بصالات العرض الخاصة عندنا؟
الكتاب رد على المضاربات المالية وارتفاع أسعار بعض اللوحات مثل لوحات فان جوخ الذي مات من الجوع ولم يبع في حياته سوى لوحة أو لوحتين، ومات منتحراً احتجاجاً. المضاربات التي تتم شوهت الفن، خاصة أن نتائجها انعكست على جودة العمل الفني، فتجار الفن أصبحوا يبيعون أي شيء على أنه عمل فني حتى ولو كان سلة قمامة، وهذا فيه إسفاف كبير. وهنا أريد أن أوضح لبعض اللذين خلطوا بين دراستي لتجارة الفن الأوروبية وبين نشاط صالات العرض الخاصة عندنا، فأنا لست ضد تجارة الفن فهناك تجارة طبيعية، ولا يجب أن نخلط بين ما يتم في أوروبا وما يتم عندنا، في سوريا مثلاً بدايات لظهور تجارة فن طبيعية لم تشوه بعد، ولها إيجابياتها، وأهم هذه الإيجابيات أنها أخرجت الحركة التشكيلية من قوقعتها وجمودها، كما برز مع ظهور الصالات الخاصة ظاهرة الفنان المحترف. فللمرة الأولى نجد فنانين يعيشون على بيع لوحاتهم فقط.